close
قصص

شاب في بداية مشواره الدراسي يتمنى أباه أن يصبح طبيباً فهذا ما حدث معه

كل يوم كنت ألقى عليه التحية فيرد بصوت قوي ومبتسم. أصبحت معتادًا على رؤيته يوميًا، حيث كنت أشتري منه حبات من البرتقال الطازج وتفاحتين ينتقيها لي خصيصًا، بالإضافة إلى بعض العصير. كان يقول لي: “خذ واشرب، أنت بحاجة لتغذية لتتابع دراستك وستنجح.”

أحببت كلامه وقصصه عن الزمن الجميل، وكنت أجلس معه على صندوق خشبي يستعرض ذكرياته، إلا أنه كان يتوقف عن الحديث عندما نصل إلى ذكر عائلته، حيث كان يسكت ويظهر على وجهه مسحة من الحزن، وينهي حديثه بدمعة خفية وابتسامة حانية ويعطيني تفاحة.

شعرت بقدر كبير من الحنان الأبوي تجاهه. كانت أيام الصيف تحمل ثمار البرتقال والعصير، وفي الشتاء كانت الحطبات المشتعلة في صفيحة تنك تعمل كمدفأة بدائية. ذات يوم، بعد أن جمعت شجاعتي، سألته بإصرار: “عمي كريم، أين عائلتك ومنزلك الأساسي؟ أين تنام؟” نظر إلي بحدة، وعقد بين حاجبيه، وسكت بعد أن زفر زفرة عميقة، ثم قال: “اذهب إلى منزلك، السماء بدأت تمطر، لديك دراسة وشهادة، وأنا في انتظارك.” أمرني بذلك بجدية.

عبرت الأيام وتخرجت وبدأت حياة جديدة كطبيب. ومع ذلك، لم أتمكن من تحقيق أمنية والدي في علاجه، فقد سبقنا إلى السماء. تذكرت عمي كريم بائع البرتقال، وقررت زيارة المدينة التي كان يعمل فيها، لعل الحياة تعاقبني.

لكنني لم أجده، ولا الميزان ولا التفاحات ولا العصير. سألت جاره في الدكان، وتحدثنا عن عمي كريم، فتذكرني وأخبرني أن الرجل قد تـ.ـ….وفي رحمه الله. قال: “لقد أحبك، وكان يصفك بـ ‘ابني’ ويقول إنه يشعر بحنانك. ترك لك رسالة وهذا الميزان.

أعطاني الرسالة وقال إن عمي كريم كان متأكدًا من أنك ستسأل عنه بعد مغادرتك المنطقة، وكان يقول: “سيعود، سيعود.” أخذت الرسالة وذهبت إلى شاطئ البحر لأقرأها بهدوء. كانت الرسالة تقول:

“بني، هذه رسالتي ردًا على أسئلتك لي يوما. كان لي عائلة ومنزل وبستان وزوجة وأولاد وكثير من الأموال. علمت أولادي وتفوقوا في حياتهم، ولكن الحياة تحمل مفاجآت. دخل الطمع بين أفراد عائلتي والناس الذين كنت أكرمهم وأعطيهم كل ما يحتاجون إليه. ب

عد وفـ.ـ….اة والدتهم، بدد أولادي ثروتي وذهبوا لحياتهم كما يشاءون مع المال. تركت كل شيء وراءي، وعشت في هذه المدينة وحيدًا، أعمل في نقل الصناديق والفاكهة وأصبح بائع فاكهة على الرصيف. غرفة صغيرة لا يدخل إليها الضوء هي منزلي ومعيشتي، حيث أبكي أسفًا على طمع البشر حتى لو كانوا أولادي.

عندما التقيتك، رأيت فيك الإصرار والنجاح، وتوهمت أن الله عوضني بك عن أولادي. لكن الحياة قد تخبئ لنا ما لا نعلمه. تأخرت عني، وكنت موقنًا أنك ستسأل عني. لقد أقلقني غيابك، وابتسمت بدمعتي في غرفتي المظلمة بعدما فتك المرض بي. كنت متأكدًا بعودتك.

هذا الميزان لك، لتتذكرني به، ولتعمل به في حياتك مع الناس. كن عادلاً بين الكرم والبخل، بين الفرح والحزن، بين الثقة والحذر. كن مع نفسك ومع ربك، واجتهد وكافح ولا تتعود على دوام النعمة. كن وفياً لمن وقف إلى جانبك، وكن أنت، الذي رأيت فيك حياتي وذكرياتي.”

طويت الرسالة وقبلتها، ومسحت دمـ.ـ….وعي بها، ثم ألقيتها في البحر حتى تتبلل ولا يرى أحد دموعي. بكيت بحـ.ـ….رقة.

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى