الجزار

أبويا كان كل ما يد,بح العِجل كان لازم يطلع عضمة معينة من الجسـ,ـم ويكـ,ـسرها خالص لدرجة إنها بتكون لا تصلح لأي شيء بعد كدا, ولما كنت بسأله بتعجب هو ليه بيعمل كدا كان دايما بيبتسم ويقولي:
بكرة لما تكبر هتعرف, بس لازم توعدني بوعد”“وعد ايه يابا”
“انك لما تورث مني الشغلانة لازم تورث مني حاجتين معاهم”
“إيه هما الحاجتين دول”
“تطلع من أي د,بيحة ولو 2 كيلو لحـ,ـمة للناس الفقراء ودول مش هتلاقي أكتر منهم, وانك تكـ,ـسر عضمة الكتف دي وحتى بعد ما تكـ,ـسرها ماتبيعهاش لحد خالص مهما كان”
وفضل ابويا لسنين طويلة يوصيني بالنقطتين دول وانا معرفش ليه هما مهمين أوي كدا, أما بخصوص شغلانة الجـ,ـزار فانا شوفت فيها العَجب العُجاب, شغلانة قادرة انها تجبلك كمية مشـ,ـاكل مالهاش أول من آخر, غير كمية الفُقرا اللي كانوا بيجوا يوميا قدام الد,بيحة لعل وعسى يطلعلهم حاجة منها..
وابويا كان غريب أوي وبيعمل حاجات غير مفهومة,
كان بيقـ,ـطع جزء من اللحـ,ـمة, ويفرم جزء, ويشيل العضم اللي يتعمل عليه شوربة, ويقسمهم على عشر أكياس, وكل اللي كان بيجي يقف بس كان ابويا يفهمه من نظرة عنيه, ويديله كيس فيه حتة لحـ,ـمة وكورة لحـ,ـم مفروم وعضمتين للشوربة, وكان يتعمد يعلي صوته ويقول للشخص ده
“طيب حاسبني لما ترجع تاني عشان مش معايا فكة”
ولما كبرت شوية وكنت بستنكر العادة دي لأنها بتخـ,ـسرنا فلوس كان بيرد ويقول:
“يابني احنا بنشتري الستر اللي من غيره هنضيع, ولو محستش بقيمته دلوقتي هتحس بقيمته لما يضيع منك”
وكبرت وانا بصراحة مش مقتنع بحاجات كتيرة كان ابويا بيعملها, بس مكنتش بقدر أعترض على أي حاجة لأن أبويا رغم حنيته على الفقراء وقلبه الكبير إلا انه كانت له هيبة ومش أي حد كان يقدر يعترض على كلامه من معلمين السوق فما بالك بيا انا ابنه, وأول ما دخلت في سن العشرينات أبويا بدأ يكلم ناس هنا وهناك عشان يشوفوا واحدة محترمة وكويسة أقدر اتجوزها, ولما كنت بستفهم بس منه هو عاوز يجوزني بدري ليه كان بيقولي جملة غريبة أوي
“الراجل اللي ميجوزش ابنه أو بنته وهو قادر على كدا بيتحاسب عليهم يوم القيامة”
وفعلا اتجوزت وربنا رزقني بأول فرحتي وكان اسمها وعد, البنت اللي كان روحها في جدها, وكانت أيام طويلة بتقعد معاه في المحل ومترضاش ترجع البـ,ـيت أبدا, بل وأيام كنت أقعد بينها وبين جدها الاقيهم بيغمزوا لبعض وكأن بينهم أسرار هما بس اللي يعرفوها..
لدرجة إني كنت بغير على بنتي أوقات, خاصة انها حفظت كل تفصيلة بتحصل في المحل من يوم ما نفتح لحد آخر اليوم, كانت بتعبي أكياس الصدقة, وحافظة وشوش الناس اللي بياخدوها اسبوعيا, بل وكانت بتمسك السكـ,ـينة عشان تتعلم التقـ,ـطيع, كل ده وهي عندها ست سنين بس..
في الأيام دي بدأ أبويا يتـ,ـعب وتظهر عليه أعـ,ـراض الشيخوخة, وفضلت حالته من سـ,ـيء لأسـ,ـوأ لحد ما وصلت بنتي لعمر 12 سنة, وقتها مـ,ـرض أبويا أوي ووقـ,ـع من طوله في حالة إعـ,ـياء شديدة, وأقامت بنتي معاه شهر كامل ومكنتش بتاكل ولا بتشرب غير لما كان يفوء من تعـ,ـبه ويطلب منها ده..
ومـ,ـات أبويا, مـ,ـات واتفـ,ـاجئت بجـ,ـنازة مالهاش أول من آخر اتعملت عشانه, كنت بشوف ناس غريبة في جـ,ـنازته بيبـ,ـكوا عليه وانا ماشي مستغرب كل المحبة دي اللي كانت في قلوب الناس تجاهه, أما بنتي اللي وقعت في دور اكتـ,ـئاب ومـ,ـرضت مـ,ـرض غريب, لدرجة إنها كانت على وشك المـ,ـوت حرفيا..
بس مع مرور الوقت اتعـ,ـافت وإن فقدت كتير من بريقها وضحكها معانا وبقت دايما ساكتة مبتتكلمش, وقتها كان لازم الحق المحل وأشغله عشان مفقدش مصدر رزقي, بس كنت هشغله بإسلوبي أنا وطريقتي أنا..
بقيت أد,بح الد,بيحة الصبح واشتغل عادي,
اللي يجي يطلب حاجة والاقي بنتي تبصلي وكأنها بتقولي ده محتاج كنت بتجاهل نظراتها واسأله عن فلوسه, وكان بيتحـ,ـرج ويمشي ومكنتش بشوفه تاني, ولما بنتي اعتـ,ـرضت خلتها متنزلش معايا تاني عشان الصعـ,ـبانيات, انا جاي أشتغل مش أخلص اللحـ,ـمة على المحتاج والفقير..
وفعلا بدأ الحال يكون أحسن والدخل يزيد معايا, واشتغلت سنة واحدة وكانت الدنيا ماشية معايا زي الفُل ووقتها اقتنعت ان ابويا كان غلط في اللي بيعمله, لحد ما مراتي حملت أخيرا بعد غياب وجه يوم الولادة وحصلها نز,يف وأجـ,ـهضت, ودخلت في سلسلة عمـ,ـليات خدت اللي ورايا واللي قدامي انتهوا بإزالة الرحـ,ـم, وخسـ,ـرت كل فلوسي اللي عملتها طول السنة, وعرفت ان مراتي مش هتولد تاني..
وبدأت المصـ,ـايب تنزل على راسي تباعا, المحل بقا شغله ضعـ,ـيف جدا جدا, وفيه محل جـ,ـزارة كبير فتح بأسعار أقل مني, غير إن الناس ولسبب غير مفهوم مبقوش يحبوني, وبقوا بيتجنبوا يشتروا من عندي, بل كنت بشوف بعيني ناس تعدي من قدامي زباين للمحل, ويرجعوا بعد ساعة من ناحية محل بعيد ومعاهم لحـ,ـمة, وكنت أقدر أعرف انها لحـ,ـمة من شكلها في الكيس لأن دي مهنتي..
الحال وقف بطريقة مخـ,ـيفة أوي, والطلب على المحل فضل يقل يقل لحد ما حرفيا بقيت بد,بح كل شهر مرة بعد ما كنا أيام أبويا بند,بح كل يوم تقريبا, وفضلت على الحال ده سنين, كبرت بنتي وبقت عايزة تتجهز وبالأخص لما اتخطبت, والحال بقا صـ,ـعب جدا ومبقتش عارف أصرف على البـ,ـيت..
ولولا مراتي اللي باعت دهبها
مكناش عرفنا نجهز البنت, وقرب الفرح عليا وكنت محتاج مصاريف بأي طريقة, ومكنش فيه في جيبي جنيه تقريبا, وفوجـ,ـئت بواحد معرفة جاي في السر وبيطلب مني عضمة الكتف بتاعت العِجل, كنت عارف انها بيتعمل عليها سِحـ,ـر اسـ,ـود, وان السحـ,ـر اللي بيتعمل عليها بيكون قوي بطريقة مُخـ,ـيفة جدا جدا وصـ,ـعب فك السحـ,ـر ده طالما ملقتش العضمة كمعالج, بس لما عرض عليا مبلغ 10 الاف جنيه عنيا زغـ,ـللت, ووافقت بدون أي تفكير..
وقتها حكالي انه ياما طلب من ابويا زمان بس كان بيرفـ,ـض رغم انه كان بيعرض عليه فلوس ياما, كلامه فكرني بوصايا أبويا, بس تجاهلتها عشان الدنيا تمشي, وخدت المبلغ وبعت اللوح ووعدته إني هبيعله مع كل د,بيحة لوح الكتف بتاع الد,بيحة, بس وانا بشفيها غـ,ـصب عني السـ,ـكينة خدشتها خدشة كبيرة من النص, خـ,ـفت ياخد باله بس الموضوع عدى وخدها مني..
وعملنا الفرح واطمنت على بنتي مع جوزها ودخلوا مع بعض عش الزوجية, وفي نص الليـ,ـل تقريبا اتصل بيا جوز بنتي, قلبي اتنفض من مكانه ورديت عشان أسمعه بيصـ,ـرخ وبيستـ,ـغيث بيا, جريت زي مانا على بيـ,ـتهم لقيته بيفتحلي الباب وشكله غريب أوي, كان فيه د,م نازل من راسه وشعره متقـ,ـطع من مكانه, وسمعت صوت بنتي وعد بتضحك جوة, دخلت بسرعة على الاو,ضة وقلبي اتقـ,ـبض من اللي شوفته..
بنتي كانت بتاكل في شعر جوزها المتقـ,ـطع في ايديها بطريقة مُخـ,ـيفة جدا, وكانت عمالة تضحك وترجع من بطـ,ـنها مادة لونها أحمر, جريت عليها وانا مصـ,ـدوم وحاولت أفهم فيها ايه, لقيت جوزها بيقول انها ضـ,ـربته على راسه جامد, وفضلت تقـ,ـطع في شعره وتاكله, وحلف انه ما هيقعد معاها يوم بعد كدا وطـ,ـلقها قدامي..
خدت البنت من الشـ,ـقة
ولقيت ناس متجمعين تحت مستغربين, وعرفت ان فيه فضـ,ـيحة كبيرة هتطلع عليا انا وبنتي ويا عالم هـ,ـتنتهي امتا, هو ده الستر اللي ابويا كان بيقول عليه وبيشتريه ؟؟؟
ورجعت البيـ,ـت وعرفت ان الكلام كتر في المنطقة عن بنتي, اللي يقول مجـ,ـنونة, واللي يقول مكانتش عـ,ـذراء, واللي يقول بتمثل على جوزها عشان مش بتحبه, كلام كان بيوصلني زي السـ,ـهام اللي بتطـ,ـعن في قلبي..
ونـ,ـمت ليـ,ـلتها مغـ,ـموم, مهـ,ـموم, مش طايق نفسي, وعلى نص الليل سمعت صوت غريب, كأنه صوت مقـ,ـص, صحيت مخـ,ـضوض لقيت بنتي بتقـ,ـص شعري وعمالة تاكل فيه ووشها شاحب زي الأمـ,ـوات, اتنفـ,ـضت من مكاني وسألتها بخـ,ـوف:
– انتي بتعملي كدا ليه يا حبيبتي
لقيتها بترد بصوت رجولي خشن:
– مفيش أكل في البيـ,ـت الحقـ,ـير ده, ولو مجبتش أكل هاكلك انت
حسيت اني اتشـ,ـليت مكاني, وبالأخص لما شوفت المقـ,ـص ممسوك في ايدها من المكان الحـ,ـاد وايديها بتنـ,ـزف د,م, سابتني ومشيت وكل اللي طلبته حاجة واحدة بس, قالتلي انها عايزة عشرة كيلو لحـ,ـمة يوميا وإلا هتاكل من لحـ,ـم جسـ,ـمها, أو اللي قال هو الصوت الرجولي اللي بيطلع منها..
وعدت الليـ,ـلة وروحت المحل
وشوفت في عيون كل الناس نظرات غريبة أوي, وحقيقي بقيت مكسـ,ـور وسط الناس, واتحولت حياتي لجحـ,ـيم, أروح يوميا بعشرة كيلو لحـ,ـمة, اللي هما تقريبا مكسب تلت أيام, واصحا في نص الليـ,ـل الاقي بنتي بتاكل فيهم بطريقة بشـ,ـعة, وتصحا الصبح مـ,ـريضة وتفضل تتألـ,ـم وترجـ,ـع د,م..
وتفضل تستـ,ـغيث بيا وتتكلم بصوت وعد, أما بالليـ,ـل فكان صوتها يقلب ذكوري, وتاكل لحـ,ـمة نيـ,ـة, وافضل أسمع ضحكها من المطبخ اللي كان بيرعـ,ـبني, ولما عجزت في مرة أجيب اللحـ,ـمة سمعت صـ,ـراخها بالليـ,ـل ولقتها بتعـ,ـور نفسها وبتشـ,ـرب من الد,م اللي بينزل منها..
المنطقة كلها عرفوا انها ملبـ,ـوسة, وحياتي اتد,مرت وسُمعة المحل اتضـ,ـربت, كبرت يجي 20 سنة, وبقيت بمـ,ـوت بالبطـ,ـئ, لحد ما جتلي في يوم السوق بتضحك بهيستريا وحـ,ـذرتني وسط الناس إني أرجع البيـ,ـت ومش معايا اللحـ,ـمة..
وقعدت على الأرض وحطيت ايدي على راسي, دعيت ربنا إني أمـ,ـوت وبدأت أبـ,ـكي زي العيل الصغير, افتكرت لما ابويا كان بيطلع أربعة كيلو تقريبا يوميا وكان الشغل مبيخلصش, انا دلوقتي مبشتغلش وبطلع عشرة كيلو, هو ده الستر اللي ابويا كان بيشتريه فعلا ؟؟
لمتابعة القصة اضغط على الرقم 2 في السطر التالي