close
قصص

الزوجة الصالحة والابن البار

الله الآلاف المؤلفة وفيما كانت أم ربيعة فى هواجسها هذه الټفت إليها زوجها وقال لقد جئتك يا أم ربيعة بأربعة آلاف دينار فأخرجى المال الذى أودعته عندك لنضم هذا إليه ونشترى بالمال كله بستانا أو عقارا نعيش فيه ما امتدت بنا الحياة فتشغالت عنه ولم تجبه بشئ فأعاد عليها الطلب وقال هيا أين المال حتى أضم إليه ما معى فقالت لقد وضعته حيث يجب أن يوضع وسأخرجه لك بعد أيام قليلة إن شاء الله وقطع صوت المؤذن عليهما الحديث فهب فروخ إلى إبريقه وتوضأ ثم مضى مسرعا نحو الباب وهو يقول أين ربيعة فقالوا سبقك إلى المسجد فذهب فروخ إلى المسجد فأدى المكتوبة وصلى ما شاء أن يصلى ولما هم بمغادرة المسجد وجد باحته قد غصت على رحبها بمجلس من مجالس العلم لم يشهد له نظيرا من قبل ورأى الناس قد تحلقوا حول شيخ المجلس حلقة إثر حلقة حتى لم يتركوا فى الساحة موطئا لقدم وأجال بصره فى الناس فإذا فيهم شيوخ معممون ورجال تدل هيئاتهم على أنهم لهم منزلة وشأن وشبان كثيرون قد جثوا على ركبهم وأخذوا أقلامهم بأيديهم وجعلوا يلتقطون ما يقوله الشيخ كما تلتقط الدرر ويحفظونه فى دفاترهم وكان الناس متجهين بأبصارهم إلى حيث يجلس الشيخ منصتين إلى كل ما يلفظ من قول حتى لكأن على رؤوسهم الطير وكان المبلغون ينقلون ما يقوله الشيخ فقرة فقرة فلا يفوت أحدا شئ من كلامه مهما كان بعيدا وحاول فروخ أن يتبين صورة الشيخ فلم يفلح لموقعه منه وبعده عنه لقد راعه منه بيانه المشرق وعلمه المتدفق وحافظته العجيبة وأدهشه خضوع الناس بين يديه وما هو إلا قليل حتى ختم الشيخ مجلسه ونهض واقفا فهب الناس متجهين نحوه وتزاحموا عليه وأحاطوا به واندفعوا وراءه يودعونه إلى خارج المسجد وهنا الټفت فروخ إلى رجل كان يجلس بجانبه وقال قل لى بربك من الشيخ! فقال الرجل باستغراب أو
لست من اهل المدينة فقال فروخ بلى فقال الرجل وهل فى المدينة رجل واحد لا يعرف الشيخ! فقال فروخ أعذرنى إذا كنت لا أعرفه فلقد أمضيت نحوا من ثلاثين عاما بعيدا عن المدينة ولم أعد إليها إلا أمس فقال الرجل لا بأس اجلس إلي قليلا لاحدثك عن الشيخ ثم قال إن الشيخ الذى استمعت إليه سيد من سادات التابعين وعلم من أعلام المسلمين وهو محدث المدينة وفقيهها وإمامها على الرغم من حداثة سنه فقال فروخ ما شاء الله لا قوة إلا بالله فأتبع الرجل يقول وإن مجلسه يضم كما رأيت مالك بن أنس وأبا حنيفة النعمان ويحيى بن سعيد الأنصاري وسفيان الثوري وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم وغيرهم وهو فوق ذلك
كله سيد كريم الشمائل متواضع سخى اليد فما عرف أهل المدينة أحدا أوفر منه جودا لصديق وابن صديق ولا أزهد منه فى متاع الدنيا ولا أرغب منه بما عند الله فقال فروخ ولكنك لم تذكر لى اسمه فقال الرجل إنه ربيعة الرأى فقال فروخ ربيعة الرأى !! نعم إن اسمه ربيعة لكن علماء المدينة وشيوخها دعوه ربيعة الرأى لأنهم كانوا إذا لم يجدوا لقضية نصا فى كتاب الله أو حديث رسول الله ﷺ لجؤوا إليه فيجتهد فى الأمر ويقيس ما لم يرد فيه نص على ما ورد
فيه نص ويأتيهم بالحكم فيما أشكل عليهم على وجه ترتاح إليه النفوس وتطمئن له القلوب فقال فروخ فى لهفة ولكنك لم تنسبه لى فقال الرجل إنه ربيعة بن فروخ المكنى بأبى عبد الرحمن لقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة مجاهدا فى سبيل الله فتولت أمه تربيته وتنشئته ولقد سمعت الناس قبيل الصلاة يقولون إن أباه عاد عند ذلك تحدرت من عينى فروخ دمعتان كبيرتان لم يعرف لهما الرجل سببا فمضى يسرع الخطى نحو بيته فلما رأته أم ربيعة والدموع تملأ عينيه قالت ما بك يا أبا ربيعة فقال ما بى إلا الخير لقد رأيت ولدنا ربيعة فى مقام من العلم والشرف والمجد ما رأيته لأحد
من قبل فاغتنمت أم ربيعة الفرصة وقالت أيهما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أم هذا الذى بلغه ولدك من العلم والشرف فقال بل والله هذا أحب إلي وآثر عندى من مال الدنيا كله فقالت لقد أنفقت ما تركته عندى عليه فهل طابت
نفسك بما فعلت فقال نعم وجزيت عنى وعنه وعن المسلمين خير الجزاء. من كتاب صور من حياة التابعين للدكتور عبد الرحمن رافت

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى